الحمد لله و الصلاة و
السلام على رسول الله و على آله و صحبه ومن والاه.
و بعد:
من البلايا و الرزايا
التي كانت سببا في انتشار الجهل – اقصد الجهل المركب الذي
يظن صاحبه أنه يعلم الشيء و هو يدركه على غير حقيقته
كما قال الشاعر:
لأن جهلي بسيط وجهل راكبي
مركب –
هو عدم التمييز بين
العالم و المتعلم و الخطيب و الواعظ و المفكر و غيره مما
أو قع الناس في خلط كبير بحيث أنهم يسألون من ليس بأهل
للفتوى فيتجرأ عليها فيصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه و
سلم (فاتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم
فضلوا و أضلوا ) و من ثم كثر النزاع و الشقاق بين المسلمين
من جراء ذلك, و صاروا أحزابا و شيعا كل حزب بما لديهم
فرحون .
فللعلماء أوصاف يعرفون
بها فيا ترى كيف يعرفون و ما هي أوصافهم ؟
فإليك الجواب في كلمات
:
العلماء
كما يقول ابن القيم في كلام قيم في كتابه إعلام الموقعين
(1/7): ( فقهاء الإسلام , و من دارت الفتيا على أقوالهم
بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام , وعنوا بضبط
قواعد الحلال و الحرام ) .
العلماء هم الفرقة التي
نفرت من هذه الأمة لتتفقه قي الدين ثم تقوم بواجب الدعوة
,و مهمة الإنذار, قال تعالى ( وما كان للمؤمنين لينفروا
كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم ليتفقهوا في الدين و
لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) [ التوبة
:122].
العلماء هم الذين
يكونون أتقياء عاملين بعلمهم . عن أبي الدرداء رضي الله
عنه قال : ( لا تكون تقيا حتى تكون عالما , و لا تكون
بالعلم جميلا حتى تكون به عاملا ) رواه الدارمي في السنن
[1/88] .
وعن الحسن قال: (
العالم الذي وافق علمه عمله , ومن خالف علمه عمله فذلك
راوية حديث , سمع شيئا فقاله ) [ رواه ابن عبد البر في
الجامع ].
و العلماء
هم هداة الناس الذين لا يخلوا زمان منهم حتى يأتي أمر
الله فهم رأس الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة , يقول
الرسول صلى الله عليه و سلم : ( لا تزال طائفة من أمتي
قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر
الله و هم ظاهرون على الناس ) رواه البخاري في صحيحه
[8/149] كتاب الإعتصام.
قال الإمام النووي رحمه
الله : ( و أما هذه الطائفة فقال البخاري : هم أهل العلم ),
هؤلاء هم العلماء كما
سبق ذكرهم فكيف يعرفون ؟
إن العلماء
يعرفون بعلمهم
فهو الميزة التي تميزهم عن غيرهم , أو يعرفون
برسوخ أقدامهم في مواطن الشبه , حيث تزيغ الأفهام فلا يسلم
إلا من آتاه الله العلم ,أو من اتبع أهل العلم , يقول ابن
القيم رحمه الله :( إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من
الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه و لا قدحت فيه شكا ,
لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات , بل إذا وردت
عليه ردها حرس العلم و جيشه مغلولة مغلوبة ) مفتاح دار
السعادة [1/140].
و يعرفون
بجهادهم و دعوتهم
إلى الله عز وجل و بذلهم الأوقات , و
الجهود في سبيل الله كما يعرفون بنسكهم و خشيتهم لله , قال
الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله
عزيز غفور ) سورة فاطر الآية:28.
و يعرفون
بشيوخهم, ومن هم, و كيف هم ؟ ثم بشهادتهم لهم , أو إجازتهم
إياهم . حيث دأب علماء المسلمين من سلف هذه الأمة و من
تبعهم بإحسان على توريث علومهم لتلامذتهم الذين يتبوؤون من
بعدهم منازلهم و تصبح لهم الريادة و الإمامة في الأمة و لا
يتصدر هؤلاء التلاميذ حتى يروا إقرار مشايخهم لهم بالعلم,
وإذنهم لهم بالتصدر و الإفتاء, و التدريس. قال الإمام مالك
رحمه الله ( لا ينبغي لرجل يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من
كان اعلم منه, و ما أفتيت حتى سألت ربيعة و يحي بن سعيد
فأمراني بذلك, ولو نهياني لانتهيت ) حلية الأولياء
[6/316]و [ الفقيه و المتفقه 2/154 ].
و مما
يعرفون به أيضا دروسهم و فتاويهم , و مؤلفاتهم , و
تلاميذهم الذين تتلمذوا عليهم .
و يعرفون
باستقامتهم على منهج أهل السنة و الجماعة , وهدي السلف
الصالح و براءتهم من البدع الضالة .
فهذه بعض الدلائل على
العلماء و فضلهم , أما المناصب و نحوها فهي ليست الدليل
على العلم يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: ( المنصب
و الولاية لا يجعل من ليس عالما مجتهدا , عالما مجتهدا ,
ولو كان الكلام في العلم و الدين بالولايات و المنصب لكان
الخليفة و السلطان أحق بالكلام في العلم و الدين, و بأن
يستفتيه الناس و يرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم و
الدين, فإذا كان الخليفة و السلطان لا يدعي ذلك لنفسه, و
لا يلزم الرعية حكمه في ذلك بقول دون قول إلا بكتاب الله و
سنة رسوله صلى الله عليه و سلم فمن هو دون السلطان في
الولاية أولى بأن لا يتعدى طوره ) الفتاوى [27/294].
و هذا لا يعني أن كل
من عين في منصب علمي ليس بعالم بل المراد أن المنصب ليس
دليلا على العلم.
و الله تعالى أعلم.
|